على مدار السنوات الخمس الماضية، دفع الاقتصاديان «ويندي كارلين» و«صامويل باولز»، أساتذة من أنحاء العالم إلى أن طرحوا على طلاب الاقتصاد في العام الأول الجامعي سؤالاً واحداً أساسياً في اليوم الأول لهم. السؤال: ما المشكلة الأشد إلحاحاً التي يجب على الاقتصاديين معالجتها؟ ومن بين إجابات، مثل العولمة والرقمنة والبطالة، ظهر اهتمامان تضاءلت إلى جانبهما باقي الإجابات في معظم البيانات الحديثة، وهما عدم المساواة وتغير المناخ.

لكن هناك شعوراً متصاعداً بأن المقرر السائد لعلم الاقتصاد، وخاصة الذي يجري تدريسه في الفصول التمهيدية لا يعد الطلاب بشكل ملائم لمعالجة هذه القضايا. وبدأ الإحباط يتصاعد بعد الأزمة المالية لعام 2008 في استجابة على مقرر اعتبر بالغ التبسيط ومكفوف عن قراءة التاريخ والسلطة وأفكار الإنصاف. ومع تصاعد الاهتمام بشأن توزيع الدخل والبيئة منذئذ، وفي استجابة على طلبات الطلاب، يدمج حالياً عدد صغير، لكنه يتزايد، من الاقتصاديين الأسئلة الأدبية في الفصول التمهيدية لتعلم الاقتصاد. وتؤكد «ميجان واي»، أستاذ الاقتصاد في «بابسون كوليدج» في «ويلزلي» بولاية ماساشوستس، أن هناك تحولاً بالفعل في تعليم الاقتصاد الآن و«إقرار بعدم دمج الاقتصاد الحديث ما يكفي من واقع تغير المناخ والاستدامة أو قضايا عدم المساواة والتنوع والاحتواء.

وهناك افتراضات معينة كامنة في نماذجنا ومبادئنا وبعض هذه النماذج خاطئة وتمثل إشكالية حقا». فكيف يستطيع علم الاقتصاد أن يتبنى الاستدامة فعلا على حين أن النماذج الأساسية التي يجري تدريسها لطلاب الجامعة الجدد تفترض أن «أكثر» دائما «أفضل»؟ ومهما يكن من طبيعية السعي وراء الكفاية، هل يتجاهل المجتمع الذين يخسرون أكثر مما يتجاهل من الذين يربحون؟ مثل هذه الأسئلة أكاديمية للغاية، لأن تأثير نظرية الاقتصاد لها تداعيات على المجتمع. ونحو 40% من 20 مليون من طلاب الجامعة في الولايات المتحدة يتلقون دورة دراسية في الاقتصاد كل عام. وعدد أقل يدرس الموضوع بعمق أكبر.

وبعضهم يبدأ مشواره المهني في حقول مؤثرة مثل الشركات والتمويل أو السياسة. وكثيرون منهم لا يدرسون إلا الفصل الدراسي التمهيدي من الاقتصاد. والاقتصاديون لا يتخلون عن هذه المسؤولية. وأهم شيء يقول الأساتذة إن بوسعهم القيام به هو الحرص على عدم معاملة الاقتصاد باعتباره مجالاً خالياً من القيم.

ويرى جيسون فورمان، أحد الاقتصاديين الذين يتزعمون الدورة التمهيدية لتدريس الاقتصاد في جامعة هارفارد، أن «الكثير مما يطلق عليه الكفاية في علم الاقتصاد متضمن فيه نظرية أدبية. الناس في علم الاقتصاد يدعون أن النمو بلا أي تداعيات أدبية أو أن الفائض الاجتماعي لا ينطوي على تداعيات أدبية.

لكن لهذا تداعيات. وبدلاً من نقلها ضمنا، أفضل الصراحة فيما تعنيه». ويرى جيمس كامبل الذي يدرس الاقتصاد في جامعة كاليفورنيا في بيركلي أن تدريس الدورة التمهيدية هو الأصعب. وهذا ليس لأن لديه أكثر من 600 طالب في فصله فحسب. فمما يؤرق «كامبل ليلا» هو قراره بشأن مقدار الوقت الذي يخصصه للتفاصيل الفنية للنماذج الأساسية، مثل العرض والطلب وتعظيم الأرباح ونمو الإنتاج المحلي الإجمالي. فهذه التفاصيل يحتاج الطلاب إليها ليكون لديهم فهم أفضل مع التقدم في الدراسة. وهو مؤرق أيضا بشأن تحديد مقدار الجهد الذي يكرسه لنسج القصة الأكثر تعقيدا ومساعدة الطلاب على التوصل إلى أحكام أخلاقية.

وترسم مسلمات الاقتصاد في حد ذاتها، عالما مسكونا تماما فيما يبدو بكائنات اقتصادية. فالناس بعيدو النظر ومتخذي القرار العقلانيون يستهدفون تعظيم مصالحهم الشخصية. وأنظمة البيئة في الطبيعة منفصلة تماما عن عمل الاقتصاد. والتفاعل الاجتماعي يأخذ صيغة تبادل السوق تؤدي فيه المنافسة المثالية إلى أكثر الدخول كفاءة. والاقتصاديون هم أول المحذرين من أن هذا تبسيط مخل. لكن هناك بعض الأدلة تشير إلى أن وجهات النظر هذه تشكل رؤية الطلاب للعالم وسلوكهم مما يجعل الناس أقل كرماً أو اهتماماً بالإنصاف، بحسب قول كامبل. أضاف كامبل «في كثير من الكتب التعليمية السائدة، تمثل الكفاية مقياسا لمدى جودة النتيجة.

ما نحاول القيام به هو تفكيك كل العبارات الأخلاقية الضمنية الكامنة لنسأل: ما نوع العالم الذي تدافع عنه إذا كنت تدافع عن عالم كفؤ بالمعنى الذي يقصده الاقتصاد؟». وتصطحب مسائل التحفيز على التفكير معها أنماطاً من المشكلات في كل وحدة. وفي الامتحان النهائي يكتب الطلاب مقالين، لا يستظهرون فيهما معلوماتهم عن منحنيات العرض والطلب، بل عن خواطر أخلاقية مثل: ما الطريقة الصحيحة لقياس الرفاهية في اقتصاد ما؟

أو: أيهما يجب على صناع السياسة الاهتمام به أكثر، النمو الاقتصادي أم تقليص عدم المساواة؟. والتجول في الأبعاد القيمية قد يكون مرعباً للمتخصص في الاقتصاد، بحسب قول كامبل. لكنه أشار إلى أنه يتحلى بالصدق مع الطلاب ويبث فيهم الثقة كي يحلوا هذه المعضلات. والطلاب يقدرون جهد الأساتذة في هذا الشأن. فقد ذكرت إيما بيرمان، الطالبة في العام الدراسي الثاني، في جامعة كاليفورنيا، أنها تأمل أن يتناول مزيداً من الأساتذة الأمور الأخلاقية عند تدريسهم الاقتصاد.

ولم تسأل ويندي كارلين، من جامعة كوليدج لندن في بريطانيا، وسامويل باولز، من معهد سانتا في بالولايات المتحدة، الطلاب عن أكثر القضايا إلحاحا على المجتمع، عشوائيا بل ضمن مهمة. فقد اعتزما تأليف كتاب تعليمي جديد، ضمن جماعة «كور CORE»، التي تضم اقتصاديين من مناطق مختلفة يجمع بينهم الإيمان بأن أساسيات علم الاقتصاد تحتاج إلى تعديل طموح. والكتاب بعنوان ببساطة «الاقتصاد» وتبنته 379 جامعة في أكثر من 60 دولة. والنص المجاني المتاح على الإنترنت يقدم إطاراً جديداً لدراسة علم الاقتصاد.

وفي الكتاب نجد أن البشر تحركهم القيم مثل العدالة والعلاقة التبادلية إلى جانب المصلحة الذاتية. وفيه يعمل الاقتصاد كجزء من عالم طبيعي تكون فيه الاستدامة على المحك وعدم المساواة من الموضوعات المفتوحة. ومع تنوع التخصص، يأمل اقتصاديون أن تواصل مزيد الأصوات توسيع الأفاق للوصول إلى تعليم أكثر تنوعاً وشمولاً للاقتصاد.

*صحفية أميركية

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»